القدس في مفاوضات التسوية

البني الباهت يبين حدود القدس الكبرى 

من المستحسن قبل الحديث عن القدس في مفاوضات السلام الجارية بين الفلسطينيين والإسرائيليين أن نعرض لتطورات المساحة التي يجري التفاوض بشأنها الآن.

ففي عام 1947 أصدرت الأمم المتحدة قراراً بتقسيم فلسطين إلى دولة عربية وأخرى يهودية ووضع مدينة القدس تحت وصاية دولية كما هو مبين في الخريطة المرفقة (البقعة البيضاء)، وتشمل تلك البقعة بلدية القدس وبعض القرى العربية المجاورة. وقد استطاعت الجمعية العامة للأمم المتحدة تمرير ذلك القرار رغم معارضة اليهود بفضل مجموعة دول أميركا اللاتينية التي رفضت خضوع القدس لسيادة أي من الدولتين المقترحتين، وكان للفاتيكان الرافض للسيادة اليهودية على القدس دور مهم في إقناع تلك الدول آنذاك بسبب تواجده القوي فيها.

وبالطبع رفض العرب قرار التقسيم بما يحويه من تدويل لقضية القدس، أما اليهود فقد رحبوا به لكنهم أصروا في الوقت نفسه على الحيلولة دون تنفيذ قرار التدويل.

البقعة البيضاء تمثل القدس
في قرار التقسيم عام 1947

وفي الحربين 1948 و1967 تمكنت إسرائيل من السيطرة على القدس بأكملها (الشرقية والغربية) وضاعفت مساحة القدس (اللون البني الباهت في الخريطة)  لتصبح مائة كيلو متر مربع بدلاً من أربعة كيلومترات مربعة كما كان الحال قبل 1948. ولضمان وجود غالبية يهودية كبيرة ضمن حدود بلدية القدس أقدمت إسرائيل على ضم القرى العربية المجاورة ضمن حدود القدس. والنقطة السوداء في الخريطة تبين حدود القدس القديمة التي تضم الأماكن المقدسة وهي محل التفاوض الآن، ومساحتها لا تتعدى كيلومترا واحدا فقط من مساحة القدس، وإذا علمنا أن مساحة القدس الشرقية 73 كيلومترا مربعا تقريباً يتبين لنا ما آلت إليه قضية القدس عبر مسيرة المفاوضات. 

والتفاوض لا يتم على هذا الكيلومتر المربع بأكمله ولكن على إدارة الحي العربي فيه، وتجدر الإشارة هنا إلى أن البلدة القديمة تنقسم إلى خمسة أحياء: الحي الإسلامي والحي المسيحي (يطلق عليهما الحي العربي) والحي اليهودي (أقيم بعد حرب 1967 على أرض ملك أوقاف إسلامية) والحي الأرمني وباحة الحرم القدسي الشريف، وهذه الأحياء الخمسة موزعة على كيلومتر مربع واحد فقط.


رفض العرب قرار التقسيم بما يحويه من تدويل لقضية القدس، أما اليهود فقد رحبوا به لكنهم أصروا في الوقت نفسه على الحيلولة دون تنفيذ قرار التدويل.

كامب ديفد الثانية
طرحت قضية القدس ضمن قضايا الحل النهائي التي جرى التفاوض بشأنها في مباحثات كامب ديفد الثانية التي جمعت رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات ورئيس الولايات المتحدة الأميركية بيل كلنتون. واقترحت إسرائيل والولايات المتحدة أن تمنح السلطة الوطنية الفلسطينية السيادة على الحي العربي (المسيحي والإسلامي) ومساحته لا تتعدى ثلث كيلومتر مربع فقط، ولم توافق إسرائيل على طرح مسألة القدس القديمة بأكملها ولا بلدية القدس ولا القدس الشرقية.

الحرم القدسي
أما السيادة على الحرم القدسي الشريف فقد طرحت في صيغ عدة عبر مسيرة التفاوض كان آخرها في كامب ديفد الثانية، حيث اقترح الجانب الإسرائيلي على المفاوضين الفلسطينيين سيادة فوق أرض الحرم في حين ترجع السيادة على ما تحت القشرة الأرضية لإسرائيل، ورفض المفاوضون الفلسطينيون هذا الاقتراح خوفاً من إكساب صبغة شرعية لعمليات الحفر التي تقوم بها جماعة أمناء الهيكل أسفل الحرم، وقد عجل هذا الرفض بفشل المفاوضات التي استمرت أسبوعين، مما أدى -مع أسباب أخرى- إلى انفجار انتفاضة الأقصى.

مقترحات كلينتون
عادت المفاوضات مرة أخرى بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2000 في الولايات المتحدة الأميركية، وطرح الرئيس الأميركي بيل كلينتون مقترحات أعلن باراك أنه سيوافق عليها إذا أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية موافقتها أولاً، وتضمنت تنازل إسرائيل عن معظم القدس الشرقية العربية واحتفاظها بالسيادة على الحي اليهودي وجزء من الحي الأرمني في القدس القديمة. يجيء ذلك في سياق مقترحات أخرى عن اللاجئين والمستوطنات قال أعضاء الوفدين في تصريحات نشرت لهما عقب المفاوضات أن الولايات المتحدة عرضت فكرة  ضم مستوطنات يهودية في الضفة وغزة إلى إسرائيل مقابل أن تسلم إسرائيل الفلسطينيين بعض الأراضي في صحراء النقب، وأعلنوا أن الأفكار الأميركية تتضمن حلا وسطا بشأن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل، وقد طلبت المنظمة تفصيلات أكثر من الولايات المتحدة، لكن الأخيرة رفضت تقديم هذه التفصيلات قبل موافقة المنظمة على تلك المقترحات.

 


 

سكان القدس.. سباق على الأرقام

 

تشير الإحصاءات الإسرائيلية الرسمية الصادرة نهاية عام 2000 إلى أن تعداد السكان في المدينة ارتفع بنسبة 2% من إجمالي السكان البالغ 646,3 ألف نسمة، بينهم 436,7 ألف يهودي بنسبة 67,6%، في حين يبلغ عدد السكان العرب 209,5 آلاف عربي بنسبة 32,4%.

وتبلغ الزيادة الصافية للسكان بعد حساب الولادات والوفيات والمهاجرين من وإلى المدينة 12600 نسمة، نصيب اليهود منها 2900 نسمة، في حين بلغت الزيادة العربية 9700. وبهذا فإن نسبة نمو السكان اليهود في القدس هي 0,7% بينما هي عند السكان العرب 4,7%.

وتعمل الحكومة الإسرائيلية -كما تقول الدكتورة سارة هيرشكوبيتس رئيسة قسم التخطيط الاستراتيجي في بلدية القدس- على ألا تتعدى نسبة العرب بالمدينة 28%.


هدمت إسرائيل
أكثر من ألفي منزل فلسطيني في الفترة 1967 - 1999

المحاولات الإسرائيلية لتغيير التركيبة السكانية في القدس
وتحاول الحكومة الإسرائيلية زيادة عدد اليهود في المدينة بطرق عدة، منها على سبيل المثال العمل على إحلال اليهود محل العرب الذين هدّمت منازلهم بحجة البناء دون تصريح. وتشير إحصائيات بيت الشرق لعام 1999 في هذا الصدد إلى هدم أكثر من ألفي منزل منذ عام 1967، مما خلق ظروفاً صعبة للفلسطينيين حيث يسكن معظمهم في منازل مكتظة.

ومن الوسائل الأخرى التي تتخذها إسرائيل لإجبار المقدسيين على الهجرة من مدينتهم، عدم منحهم تصاريح بناء إلا فيما ندر. وتشير المصادر الفلسطينية في هذا الشأن إلى أن بلدية القدس تمنح تصريح بناء واحداً لكل ستة أشخاص في القدس الغربية، في حين تمنح هذا التصريح لكل 42 شخصاً في القدس الشرقية، مما أدى إلى بناء أكثر من ستة آلاف منزل فلسطيني جديد دون تصاريح، الأمر الذي يجعلها معرضة للهدم في أي لحظة.

فعلى سبيل المثال لم يكن لليهود عام 1967 أي وحدة سكنية، في حين كان للعرب 12010 وحدات، وارتفع هذا العدد إلى 21490 وحدة عام 1995 في مقابل 38534 وحدة في العام نفسه.

في القدس الشرقية
وزاد الفلسطينيون في القدس الشرقية بنسبة 5% عام 1999، وأظهر إحصاء أجرته الدائرة الفلسطينية للإحصاء في العام نفسه أن عدد الفلسطينيين الذين يعيشون حالياً في القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل عام 1967 يبلغ أكثر من 348 ألفا، في مقابل نحو 331 ألفاً في عام 1998.

وتقول إسرائيل التي أعلنت ضم القدس باعتبارها عاصمتها "الأبدية" إن عدد الفلسطينيين في المدينة لا يتجاوز 180 ألفا.

ويتهم الفلسطينيون إسرائيل بتعمدها ذكر أعداد أقل بكثير من العدد الفعلي للفلسطينيين في محاولة منها لتغيير الطابع الديمغرافي للمدينة.

وتتوقع دائرة الإحصاء الفلسطينية أن يصل عدد الفلسطينيين في القدس الشرقية إلى نحو نصف مليون نسمة بحلول عام 2010.

وأظهر الإحصاء أن المناطق السكنية الفلسطينية في المدينة تشكل 10,7% من مساحتها الكلية، في حين تشكل المستوطنات اليهودية التي أقيمت على أراض احتلت في عام 1967 نحو 2,7%. وصادرت قوات الاحتلال نحو 85% من أراضي القدس التي تبلغ مساحتها نحو 338 ألف دونم، وحظرت على الفلسطينيين الإقامة فيها.

سياسة دمج المستوطنات
تتبع إسرائيل سياسية دمج المستوطنات لاستيعاب أكبر عدد ممكن من اليهود داخل القدس، فعلى سبيل المثال دمجت الحكومة الإسرائيلية مستوطنة غفعات ومعاليه أدوميم ومناطق الخط الأخضر لاحتواء حوالي 30 ألف مستوطن جديد داخل المدينة المقدسة. كما بنت 142 ألف شقة في القطاع اليهودي لزيادة حجم السكان فيها. وبالنسبة للمستوطنات فإن 66% من أراضي القدس الشرقية الحالية عبارة عن أراض أخذت بالقوة من بينها 5% من البلدة القديمة و61% من أراضي الضفة الغربية، وقد استوعبت تلك المستوطنات قرابة 180 ألف مستوطن.

 


 

جغرافية القدس.. بؤرة الوطن والروح

 


تقع مدينة القدس على خط طول 35 درجة و13 دقيقة شرق خط غرينتش، وخط عرض 31 درجة و52 دقيقة شمالاً، وتقع على سلسلة من التلال تميل من الغرب إلى الشرق ويتراوح ارتفاعها عن سطح البحر بين 720 و830 متراً، ونحو 1150 مترا عن سطح البحر الميت. وتبعد المدينة عن البحر المتوسط 54 كم، وعن البحر الأحمر 250 كم تقريباً.

طرق المواصلات
وتربط القدس عدة طرق ممهدة بكبريات المدن الفلسطينية وبعض العواصم العربية، فهي تبعد عن عكا 150 كم، وعن نابلس 65 كم، وعن الخليل 36 كم، وعن يافا 62 كم، وعن غزة 94 كم، وعن العاصمة الأردنية عمان 88 كم، وعن دمشق 290 كم، وعن القاهرة 528 كم، وعن بغداد 865 كم.

النواة الأولى
كانت النواة الأولى لمدينة القدس -كما تشير الحفريات- على تلال الضهور أو تل أوفل المطل على قرية سلوان من الجنوب الشرقي للحرم المقدسي الشريف، وكانت تقدر مساحتها آنذاك بـ 55 دونماً تسقيها عين أم الدرج. وبمرور الزمن أخذت المدينة تتوسع شيئاً فشيئاً ناحية مرتفع بيت الزيتون "بزيتا" في الشمال الشرقي، ومرتفع ساحة الحرم "مدريا" في الشرق، ومرتفع صهيون في الجنوب الغربي، وهذه المرتفعات كلها أصبحت اليوم تقع في داخل السور أو ما يعرف بالبلدة القديمة، ومساحتها حوالي كيلومتر مربع واحد، وهي التي توجد فيها المقدسات الخاصة بالأديان السماوية الثلاثة.

القدس الشرقية
القدس القديمة أو كما يطلق عليها القدس العتيقة هي تلك الموجودة داخل سور سليمان القانوني، ومساحتها 8,71 دونمات (الدونم = 1000 م2)، وطول السور 4,20 كم، وتقوم على أربعة جبال هي: الموريا، وصهيون، وأكرا، وبزيتا. أما الحرم القدسي الشريف فيقع في الجنوب الشرقي للقدس القديمة فوق جبل الموريا.

و"القدس الشرقية" هي نفسها القدس القديمة مضافًا إليها الأحياء التي أقامها المسلمون خارج السور مثل: حي الشيخ جراح، وحي باب الساهرة، وحي وادي الجوز، وظهر هذا الاسم نتيجة التركيز السكاني قبل قيام الدولة الإسرائيلية عام 1948 حيث تركز المسلمون بأغلبية كبيرة في القسم الشرقي في حين تركز اليهود في القسم الغربي.

القدس الغربية
أما القدس الغربية فهي القدس الجديدة التي نشأت في ظل الانتداب البريطاني على فلسطين لتستوعب الهجرات اليهودية المتتالية، وقد اتسعت اتساعًا كبيرًا، وضمها البريطانيون إلى الحدود البلدية للقدس عام 1946، فصارت مساحة القدس كلها 19  كيلومترا مربعا، أي أكثر من عشرين ضعفًا من القدس العتيقة. 

القدس الموحدة
يستعمل اليهود مصطلح "القدس الموحدة" للدلالة على القدسين معًا الشرقية والغربية، لأن المدينة انقسمت عقب حرب سنة 1948 فسيطر الصهاينة على الجانب الغربي منها واحتفظ الجيش الأردني آنذاك بالجانب الشرقي. وحين سيطر اليهود على القدس كلها يوم 7 يونيو/ حزيران سنة 1967 وحدوا المدينة وأصروا على فكرة "القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل".

القدس الكبرى
هي القدس الموسعة التي يحاول الصهاينة بها صنع هوية للمدينة تنمحي معها هويتها الإسلامية، فتبدو الأغلبية السكانية اليهودية كاسحة، وتصبح مساحة الأرض التي يسيطر عليها العرب صغيرة جدًّا بالنسبة لما يسيطر عليه اليهود.

ويستهدف مشروع القدس الكبرى تطويق الأحياء العربية في المدينة القديمة وفصلها عن الأحياء العربية القائمة خارج السور، مما يسبب صعوبة كبيرة للسكان تدفعهم إلى الهجرة خارج مدينتهم.

تطور عمراني
ولم يعد موضع المدينة القديمة يستوعب السكان والمباني السكنية، فامتد العمران خارج السور الذي بناه السلطان سليمان القانوني عام 1542 في جميع الجهات، وأنشئت الأحياء الحديثة فيما عرف بالقدس الجديدة، بالإضافة إلى الضواحي المرتبطة بالمدينة والتي كانت في الماضي قرى تابعة لها ثم اتصلت بها مثل قرية شعفاط وبيت حنينا وسلوان عين كارم.